فصل: تفسير الآية رقم (64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (60):

{قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)}
{قَالُواْ} أي الأتباع وهم الفوج المقتحم للرؤساء.
{بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ} أي بل أنتم أحق بما قيل لنا أو بما قلتم لنا، ولعلهم إنما خاطبوهم بذلك على تقدير كون القائل الملائكة الخزنة عليهم السلام مع أن الظاهر أن يقولوا بطريق الاعتذار إلى أولئك القائلين بل هم لا مرحبًا بهم قصدًا منهم إلى إظهار صدقهم بالمخاصمة مع الرؤساء والتحاكم إلى الخزنة طمعًا في قضائهم بتخفيف عذابهم أو تضعيف عذاب خصائصهم.
وفي البحر خاطبوهم لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم حيث تسببوا في كفرهم وأنكى للرؤساء، وهذا أيضًا بتأويل القول بناء على أن الإنشاء لا يكون خبرًا أي بل أنتم مقول فيكم لا مرحبًا بكم {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} تعليل لأحقيتهم بذلك، وضمير الغيبة في {قَدَّمْتُمُوهُ} للعذاب لفهمه مما قبله أو للمصدر الذي تضمه {صَالُو} وهو الصلي أي أنتم قدمتم العذاب أو الصلى ودخول النار لنا بإغوائنا وإغرائنا على ما قدمنا من العقائد الزائغة والأعمال السيئة لا أنا باشرناها من تلقاء أنفسنا.
وفي الكلام مجازان عقليان، الأول إسناد التقديم إلى الرؤساء لأنهم السبب فيه بإغوائهم، والثاني إيقاعه على العذاب أو الصلي مع أنه ليس المقدم بل المقدم عمل السوء الذي هو سبب له، وقيل: أطلق الضمير الذي هو عبارة عن العذاب أو الصلى المسبب عن العمل على العمل مجازًا لغويًا، وقيل: لا حاجة إلى ارتكاب المجاز فيه فتقديم العذاب أو الصلى المسبب عن العمل على العمل مجازًا لغويًا، وقيل: لا حاجة إلى ارتكاب المجاز فيه فتقديم العذاب أو الصلى بتأخير الرحمة منهم {فَبِئْسَ القرار} أي فبئس المقر جهنم، وهو من كلام الأتباع وكأنهم قصدوا بذلك التشفي والإنكار وإن ذلك المقر مشترك، وقيل: قصدوا بالذم المذكور تغليظ جناية الرؤياء عليهم.

.تفسير الآية رقم (61):

{قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)}
{قَالُواْ} أي الأتباع أيضًا، وقول ابن السائب: القائل جميع أهل النار خلاف الظاهر جدًا فلا يصار إليه، وتوسيط الفعل بين كلاميهم لما بينهما من التباين ذاتًا وخطابًا أي قالوا معرضين عن خصومة رؤسائهم متضرعين إلى الله عز وجل: {رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النار} أي مضاعفًا ومعناه ذا ضعف أي مثل وهو أن يزيد على عذابه مثله فيصير بتلك الزيادة مثلين لعذاب غيره، ويطلق الضعف على الزيادة المطلقة.
وقال ابن مسعود هنا: الضعف حيات وعقارب، والظاهر من بعض عباراتهم أن {مِنْ} موصولة، ونص الخفاجي على أنها شرطية. وفي البحر {مَن قَدَّمَ} هم الرؤساء، وقال الضحاك: هو إبليس وقابيل، وهو أنسب بخلاف الظاهر المحكي عن ابن السائب.

.تفسير الآية رقم (62):

{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)}
{وَقَالُواْ} الضمير للطاغين عند جمع أي قال الطاغون بعضهم لبعض على سبيل التعجب والتحسر {مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالًا كُنَّا} في الدنيا {نَعُدُّهُمْ مّنَ الاشرار} أي الأراذل الذين لا خير فيهم ولا جدوى يعنون بذلك فقراء المؤمنين وكانوا يسترذلونهم ويسخرون منهم لفقرهم ومخالفتهم إياهم في الدين، وقيل: الضمير لصناديد قريش كأبي جهل. وأمية بن خلف. وأصحاب القليب، والرجال عمار. وصهيب. وسلمان. وخباب. وبلال وأضرابهم رضي الله تعالى عنهم بناء على ما روي عن مجاهد من أن الآية نزلت فيهم، واستضعف صاحب الكشف وسبب النزول لا يكون دليلًا على الخصوص، واستظهر بعضهم أن الضمير للأتباع لأنه فيما قبل يعني قوله تعالى: {قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ} [ص: 60] إلخ لهم أيضًا، وكانوا أيضًا يسخرون من فقراء المؤمنين تبعًا لرؤسائهم، وأيًا ما كان فجملة {كُنَّا} إلخ صفة {رِجَالًا}.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (63):

{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)}
{أتخذناهم سِخْرِيًّا} بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل كما قرأ بذلك الحجازيان وابن عامر. وعاصم. وأبو جعفر. والأعرج. والحسن. وقتادة استئناف لا محل له من الإعراب قالوه حيث لم يروهم معهم إنكارًا على أنفسهم وتأنيبًا لهم في الاستسخار منهم، وقوله تعالى: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الابصار} متصل بقوله تعالى: {مَا لَنَا لاَ نرى} [ص: 62] إلخ، وأم فيه متصلة وتقدم ما فيه معنى الهمزة يغني عن تقدمها على ما يقتضيه كلام الزمخشري، والمعنى ما لنا لا نراهم في النار أليسوا فيها فلذلك لا نراهم بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها أو بقوله تعالى: {أتخذناهم} إلخ، وأم فيه إما متصلة أيضًا، والمقابلة باعتبار اللازم، والمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم الإزدراء بهم وتحقيرهم وإن أبصارنا تعلو عنهم وتقتحمهم على معنى إنكار الأمرين جميعًا على أنفسهم، وعن الحسن كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريًا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم، وإما منقطعة كأنهم أضربوا عن إنكار الاستسخار وأنكروا على أنفسهم أشد منه وهو أنهم جعلوهم محقرين لا ينظر إليهم بوجه، وفي {زَاغَتِ} دون أزغنا مبالغة عظيمة كأن العين بنفسها تمجهم لقبح منظرهم وأين هذا من السخر فقد يكون المسخور منه محبوبًا مكرمًا. وجوز أن يكون معنى أم زاغت على الانقطاع بل زاغت أبصارنا وكلت أفهامنا حتى خفي عنا مكانهم وأنهم على الحق المبين. وقرأ النحويان. وحمزة {أتخذناهم} بغير همزة فجوز أن تكون مقدرة لدلالة أم عليها فتتحد القراءتان، وأن لا تكون كذلك ويكون الكلام إخبارًا فقال ابن الأنباري: الجملة حال أي وقد اتخذناهم، وجوز كونها مستأنفة لبيان ما قبلها. وقال الزمخشري. وجماعة: صفة ثانية لرجالًا و{أَمْ زَاغَتْ} متصل بقوله تعالى: {مَا لَنَا لاَ نرى} إلخ كما سمعت أولًا.
وجوز أن تكون أم فيه منقطعة كأنهم أضربوا عما قبل وأنكروا على أنفسهم ما هو أشد منه أو أضربوا عن ذلك إلى بيان إن ما وقع منهم في حقهم كان لزيغ أبصارهم وكلال أفهامهم عن إدراك أنهم على الحق بسبب رثاثة حالهم، وقرأ عبد الله. وأصحابه. ومجاهد. والضحاك وأبو جعفر. وشيبة. والأعرج. ونافع. وحمزة. والكسائي {سِخْرِيًّا} بضم السين ومعناه على ما في البحر من السخرة والاستخدام، ومعنى سخريًا بالكسر على المشهور من السخر وهو الهزء وهو معنى ما حكى عن أبي عمرو قال: ما كان من مثل العبودية فسخري بالضم وما كان من مثل الهزء فسخري بالكسر، وقيل: هو بالكسر من التسخير.

.تفسير الآية رقم (64):

{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}
{إِنَّ ذلك} أي الذي حكى عنهم {لَحَقُّ} لابد أن يتكلموا به فالمراد من حقيته تحققه في المستقبل.
وقوله تعالى: {تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} خبر مبتدأ محذوف أي هو تخاصم، والجملة بيان لذلك، وفي الإبهام أولًا والتبيين ثانيًا مزيد تقرير له، وقال ابن عطية: بدل من حق والمبدل منه ليس في حكم السقوط حقيقة، وقيل بدل من محل اسم إن، والمراد بالتخاصم التقاول، وجوز إرادة ظاهره فإن قول الرؤساء {لا مرحبًا بهم} [ص: 59] وقول الأتباع {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ} [ص: 60] من باب الخصومة فسمي التفاوض كله تخاصمًا لاشتماله عليه، قيل وهذا ظاهر أن التقاول بين المتبوعين والأتباع أما لو جعل الكل من كلام الخزنة فلا، ولو جعل {لاَ مَرْحَبًا} من كلام الرؤساء و{هذا فَوْجٌ} من كلام الخزنة فيصح أن يجعل تخاصمًا مجازًا. وقرأ ابن أبي عبلة {تَخَاصُمُ} بالنصب فهو بدل من ذلك.
وقال الزمخشري: صفة له، وتعقب بأن وصف اسم الإشارة وإن جاز أن يكون بغير المشتق إلا أنه يلزم أن يكون معرفًا بأل كما ذكره في المفصل من غير نقل خلاف فيه فبينه وبين ما يستدعيه القول بالوصفية تناقض مع ما في ذلك من الفصل الممتنع أو القبيح. وأجاب صاحب الكشف بأن القياس يقتضي التجويز لأن اسم الإشارة يحتاج إلى رافع لإبهامه دال على ذات معينة سواء كان فيه اختصاص بحقيقة أخرى أو بحقائق أولًا، وهذا القدر لا يخرج الاسم عن الدلالة على حقيقة الذات المعينة التي يصح بها أن يكون وصفًا لاسم الإشارة، وأما الاستعمال فمعارض بأصل الاستعمال في الصفة فكما أن الجمهور حملوا على الصفة في نحو هذا الرجل مع احتمال البدل والبيان كذلك الزمخشري حمل على الوصف مع احتمال البدل لأنه التفت لفت المعنى، ولا يناقض ما في المفصل لأنه ذكر ذلك في باب النداء خاصة على تقدير عدم استقلال اسم الإشارة ولأن حال الاستقلال أقل لم يتعرض له، وقد بين في موضعه أنه في النداء خاصة يمتنع وصف اسم الإشارة إذا لم يستقل بالمضاف إلى المعرف باللام على أنه كثيرًا ما يخالف في أحد الكتابين الكشاف والمفصل الآخر، والإشكال بأنه يلزم الفصل غير قادح فإنه يجوز لاسيما على تقدير استقلال اسم الإشارة اه. ولا يخلو عن شيء.
وقرأ ابن السميقع {تَخَاصُمُ} فعلًا ماضيًا {أَهْلُ} بالرفع على أهل فاعل له.

.تفسير الآية رقم (65):

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)}
{قُلْ} يا محمد لمشركي مكة {إِنَّمَا أَنَاْ مُنذِرٌ} أنذرتكم عذاب الله تعالى للمشركين، والكلام رد لقولهم هذا ساحر كذاب فإن الإنذار ينافي السحر والكذب.
وقد يقال: المراد إنما أنا رسول منذر لا ساحر كذاب، وفيه من الحسن ما فيه فإن كل واحد من وصفي الرسالة والإنذار ينافي كل واحد من وصفي السحر والكذب لكن منافاة الرسالة للسحر أظهر وبينهما طباق فكذلك الإنذار للكذب، وضم إلى ذلك قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} لإفادة أن له صلى الله عليه وسلم صفة الدعوة إلى توحيده عز وجل أيضًا فالأمران مستقلان بالإفادة. و{مِنْ} زائدة للتأكيد أي ما إله أصلًا إلا الله {الواحد} أي الذي لا يحتمل الكثرة في ذاته بحسب الجزئيات بأن يكون له سبحانه ماهية كلية ولا بحسب الأجزاء {القهار} لكل شيء.

.تفسير الآية رقم (66):

{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)}
{رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الموجودات منه سبحانه خلقها وإليه تدبير جميع أمورها {العزيز} الذي يغلب ولا يغلب في أمر من أموره جل شأنه فتندرج في ذلك المعاقبة {الغفار} المبالغ في المغفرة يغفر ما يشاء لمن يشاء تقرير للتوحيد، أما الوصف الأول فظاهر في ذلك غير محتاج للبيان، وأما القهار لكل شيء فلأنه لو كان إله غيره سبحانه لم يكن قهارًا له ضرورة أنه لا يكون حينئذ إلهًا بل را يلزم أن يكون مقهورًا وذلك مناف للألوهية تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وأما {رَبّ السموات} إلخ فلأنه لو أمكن غيره معه تعالى شأنه جاء دليل التمانع المشار إليه بقوله سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] فلم تتكون السماوات والأرض وما بينهما، وقيل: لأن معنى {رَبّ السموات} إلخ رب كل موجود فيدخل فيه كل ما سواه فلا يكون إلهًا، وأما العزيز فلأنه يقتضي أن يغلب غيره ولا يغلب ومع الشكرة لا يتم ذلك.
وأما الغفار فلأنه يقتضي أن يغفر ما يشاء لمن يشاء فرا شاء مغفرة لأحد وشاء لآخر منه العقاب فإن حصل مراده فالآخر ليس بإله وإن حصل مراد الآخر ولم يحصل مراده لم يكن هو إلهًا تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وما قيل في برهان التمانع سؤالًا وجوابًا يقال هنا، وفي هذه الأوصاف من الدلالة على الوعد والوعيد ما لا يخفى، وللاقتصار على وصف الإنذار صريحًا فيما تقدم قدم وصف القهار على وصف الغفار هنا، وجوز أن يكون المقصود هو تحقيق الإنذار وجيء بالثاني تتميمًا له وإيضاحًا لما فيه من الإجمال أي قل لهم ما أنا إلا منذر لكم بما أعلم وإنما أنذرتكم عقوبة من هذه صفته فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه، والوجه الأول أوفق لمقتضى المقام لأن التعقيب بتلك الصفات في الدلالة على أن الدعوة إلى التوحيد مقصودة بالذات كان لا ينكر ولأن هذا بالنسبة إلى ما مر من صدر السورة إلى هنا نزلة أن يقول المستدل بعد تمام تقريره فالحاصل فالأولى أن يكون على وزان المبسوط وفيه قوله تعالى: {أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا} [ص: 5] فافهم.